المشاركات

مشاركة مميزة

رسالة إلى وطني .. قد لا تصل !

  تأسرني تلك التفاصيل الصغيرة التي تحتضنها بحميمية بالغة، تلك التفاصيل التي قد تكون غير مرئية للغير ولكنها لي الحياة بما فيها.. أغوص فيها وأعيشها. كيف تعصف بي أفواج الذكريات لمجرد رائحة، نسمة هواء، نكهة، مشهد، رداء، كلمة ! كلها عناصر لا تعني شيئاً للكثير ممن يعيشون معنا، ولكنها كافية لتغرقني بوابل من المشاعر الغزيرة، مشاعر شوق وشجن، حب وأمل وكل ما هو ... لا أعلم ! في كل مرة أُسحر بنفس الطريقة.. كل يوم تلاحقني أطيافك.. وكل ليلة تستلمني الذكريات وتربّت عليّ بلطف لتواسيني .. لتمنحني بصيص أمل ووعد بلقاء قريب.. لقاء يشفي قلبي الذي أنهكه البعد .. قلبي الذي يستنشق كل شيء تكون فيه ويراك في كل شيء ! كيف يمكن أن يتغير طعم الأكل ؟ كيف يمكن أن تتغير رائحة الهواء ؟ كيف يعقل أن تتبدل الأشياء غير الأشياء في حضرتك ؟ كل شيء بداخلك مميز وكل ما هو خارجك بلا ميزة .. هل هو حقيقي أم من اختلاق عقلي ؟ هل تفرض عليّ الغربة قواعداً كونية تختلف عن تلك التي تسري على بقية البشر ؟ هل تسللت الغربة إلى أعماقي وأخمدتني لتحييني قطعة حلوى اعتدت أن أسلتذ بها وأنا أتأمل سماءك ؟ لهذه الدرجة من العمق .. بهذه الكمية من ال...

في الليلة الظلماء

 يقال أن الظلمة لا تطرد ظلمة أخرى، ولكن على ما يبدو، فالليل استثناء! لقد كانت ظلمته تنير عتمة الليل الآخر المحتجب خلف ضلوعها، وبشكل ما تتضح لها الرؤية في ذلك الوقت من اليوم فقط، حيث تنخرط في حوار مع النجوم، مع نفسها، فتتكشّف لها أيّما تكشّف.. لقد كانت تلك النجوم تحدثها عن حقيقتها. لذلك فهي على يقينٍ بأنّ الليل فكرة أدبية وفلسفية قد أُجمع عليها، هو تلك الرواية مثقلة الوتيرة، ولكن رغم ذلك لا يُمَلّ منها، هو ذلك العالم المستقل الذي لا يدركه غير أهله، بينما يترنّح الباقون على السطح فقط، ثم يسقطون في فخاخ النوم والغفلة، على الضفاف نائين بأنفسهم عن عمق الأغوار، عن المعاني وشره الأفكار. ربما يعيد الليل ترتيبنا، يعيدنا إلى النفس التي لاقت من التهميش نهارًا ما يهدد وجودها، وكأن الشمس إذ تطلع، تدأب على إخفاء أيّ أثر يخصّ تلك النفس، فيركض الجسد خلف الأشياء، والأشخاص، ويركض ويركض، ثم ينسى نفسه، يرى ولكنه لا يبصر، ولكنه يحوز الإبصار كله بعد المغيب. وفي الليلة الظلماء يفتقد الكثير.. وأعتاها أن يفتقد أحدهم نفسه، تلك التي كانت، تلك التي عاشت، أو تلك التي.. ماتت! ... لا يُمتَدح الليل بمياعة تج...

بين البداية والنهاية، سجن!

 لا شيء .. وكلُّ الأشياء في اللاشيء من الأساس. هاقَد التهمني جُبٌّ سحيق مظلم، سقطتُ وما كانت أي سقطة، سقطت حتى نسيتُ ماهيّة الخطوات، وشُلّتْ أقدامي، عجِزتُ عن استعادةِ خطوَتي الأولى، أو حتى لهفتي إليها وإلى المسير، لم يَعُد يعنيني الطريق ولا الرحلة، لا الأمام ولا الخلف، لا شَيء .. وكلُّ الأشياءِ في اللّاشيء! تنفسَّت حرارة البيْن بين ضُلوعي، وددتُ لو أُطلِقُ صرخةً أفرِجُ بها عن كلِّ حرائقي، ولكن لا شيء سِوى غَمامة الصمتِ الرهيب تَبتلعُني إلى أعمقِ نقطة، كلما رَاودَتني خاطرةُ الهروبِ عن نفسي. ولكنني في تلك الليلة فقط علمتُ أنّ السجنَ ليس في الجدرانِ، ولا في القضبانِ، بل هو في اللحظةِ التي يُطلَقُ عليكَ فيها لفظَ السّجين، فتصير أنتَ "السجين" في عقلِكَ ومُخيّلتك، وفي عقولِ الآخرين، الآخرين الذين يدفنونَك في جحيمِ زَنازينِهم بعد أن كنتَ مدفونًا من قبل في جحيمِ مودتهم الحُرّة. لم يكُن الأمرُ مرتبطًا بالمادةِ أكثر مِن ارتباطهِ بالدواخلِ المُظلمة، فما الفرقُ إذًا بينَ غُرفةٍ في سجنٍ وغُرفة في بيتٍ يَعيشُ صاحبُهُ وَفِكرةُ السجينِ تَتغذَّى مِن خَلايَا دِمَاغه، وتَعيشُ القُضبانُ فِي مِر...

تساؤلات: الأمان

 ما هو الأمان إن احترفت المشاعرُ التواريَ والإحتماء؟ ما هو إن أخمد التخوّف من الإفشاء لهيبها وأشعل لوعتها؟ ما هو إن اكتست وحدة على وحشة؟ أم أنّ الأمان هو مسمىً وظيفي مختزلةٌ قيمته في كونه (مسمىً) وفقط، دون أيّ وظيفة تُذكر أو عمل. إذا ما كان يكمن منبعه في بواطن الروح، فلِمَ يهلك الإنسان نفسه في تقصّي أثره في الآخرين؟ ألم يكونوا شيئاً من الجحيم الدنيوي؟ كلما تنفس المرء في هذه الحياة فهو محكوم بالتمرّغ في أوحالهم المنتنة كل يوم وليلة، ليس الفيلسوف من قالها بالمناسبة، بل كانت نفسه البشرية التي نملك منها بين جنبينا. هل كبرنا إلى الحد الذي توقفنا فيه عن البحث عن الأمان ورضينا بالتفاوض مع الخطر حتى النفس الأخير؟ لم تضحي الحياة غاية أو جزءًا من غاية بأي شكل من الأشكال بعد الآن، وتوقف الأمل عن كونه رحيقاً، ليصبح ماء، مع أولويته يظل متواضع المزايا، ليس سحرياً يعني! حتى هذه النقطة، توقفت التساؤلات عن ملاحقة الأجوبة، اختارت لمرّة أن تستقلّ بمرارة نقصها، وأن تستغني عن نصفٍ يمنحها نهاية لطريقها، حتى هي لم تعد تقوى على السير، تخلّت عن حلّة تتوّجت باستفهامها، واختارت ثوباً من اللاشيء مرصعاً بإنتفا...

في اللغة..

  أليس غريباً؟ أنه حين يحلم المرء، تستيقظ اللغة لتسعفه وتحكم قبضتها على الذاكرة، أما عندما يتوقف عن الحلم تجاهد حتى تُنشِئ حلماً.. نفَس أخيرٌ لها للنجاة. اللغة في حد ذاتها مدمنةٌ للصمود متمنعةٌ عن السقوط، ولكن نصيب الإنسان منها يقوى ويهزل، الأمر مرهون بقلبهِ.. بأحلامهِ. هل اللغة تروينا أم تعلمنا الإرتواء بأنفسنا؟ هي وسيلة.. نعم، ولكن هل يمكن أن تضحي غاية؟ ما معنى أن تمنحنا شعورًا لحظياً أو قائماً بالرضا، تهدينا نقاط ترقية بشرية أحيانًا، وتقف منتصبة دون أن تتأثر، مهما ظننا فنحن لا نضفي لها شيئاً، بل كل الإضافات نحوزها منها منفردين، لأنها تحب تمثيل التكامل في أبهى حلله. هل تستوي اللغة مع القلم أو لوحة المفاتيح لدى الكاتب؟ ما الذي يحيطها بهالة القداسة تلك؟ أرى جواباً مختبئًا في قعر السؤال، أُفضِّل أن لا أوقظه، دعنا نلعب باللغة قليلاً، ولكن ألن تصيبنا لعنة العبث؟ أم أنها ستسخط  كما تفعل أمٌّ مع إبنٍ عاق؟ ولكنني أخاف أن أجرحها.. فهل تُجرَح اللغة؟  إنما ذاك امتياز حازه جمع من الشعراء، تفرّدوا باللعب برشاقة على أوتار اللغة فأجادوا، وليس الكل مخول بذلك. حسنٌ، لن ألعب باللغة.. سأخ...

طقس شكر (5)

إنه طقس شكري الخامس إن لم أخطئ العدّ، تقدم أو تأخر في ميعاده لا يهم ! سيكون طقساً بعيداً عن التكلف، منزوعاً من النظم والمبالغات اللغوية التي قد تعقد شعوراً بسيطاً حتى وهي تمنحه أفضلية التعبير الرصين، أشكركم جميعاً، على السؤال الحنون الذي أتلعثم في كل مرة عند إجابته، السؤال الذي يتكرر ليشعرني بالقرب منكم مع ابتعادي عن كل شيء، السؤال المرفق بالدعوات التي أحب، الجُمل التي خرجت من طابع الأحلام إلى قوالب الروتين، روتين عادي لقائلها ولكنه لم يكن يوماً عادياً بالنسبة لي، في هذه الأيام، كل تلك الأمور وجدتها ثمينة .. ثمينة جداً . وبما نصت عليه عادتي، لابد أن يكون طقس شكري مبهماً، عاماً وشاملاً، أما عن الأسماء والشخصيات فموقعها بين الكلمات حيث يراها ويلمسها قارئها المنشود، أما إن ضللت الطريق أثناء القراءة، ولم تجد نفسك ههنا، فتُشكر أيضاً بلا أسباب وبهامش مفتوح من الأسباب، كما تريد !

الحمدلله

لم تكن يوماً مجرد كلمة عادية، ولا شكراً مألوفاً، ولا قالباً جامداً، ولا رياضة عزم اللسان على مضاعفة تكراراتها . لقد كانت "الحمدلله" رفيقة اليقين والإمتنان والسكينة والمحبة وعميق ما يختلج القلب، ويؤنس النفس، ويراقص مقلة العين الفَرِحة بعطايا ربها، إن "الحمدلله" والتيسير للشكر هو بحد ذاته عطية من الله، فعندما تشكر هذا دليل على أنك ترى فتستشعر، وتطيب فتأنس، ثم تمتنّ وتحمد، وتكثر في الحمد رغم علمك أنك لن تبلغ حد الإنصاف وتغطية كل نعم الوهّاب . "الحمدلله" آمنة جداً، تطمئن نفسك عندما تلهج بها، لأن الله قريب مجيب، واسع العطايا، كريم الهِبات، جالبٌ للخير، دافعٌ للشر . أما عندما تأتي متأخرة، فأثرها على النفس أعمق وألذَ .. عن "الحمدلله" التي تأتي بعد إدراك الحكمة، بعد النجاة من سوء اختيارات النفس، وضبابية البصيرة، ومحدودية المعرفة، تلك التي تتشارك الحواس في الهتاف بها بصوت واحد، لما ترى الخير ينبثق من شرٍّ ألبسته إياه فينير عتمتك، عندما تعود في كل مرة لتسلّم كل ما يخصك لله، لأنك في كلِّ مرة تدرك أن خيارات الله كانت الأحسن حتى وإن لم يتجلى ذلك أمام عينيك في...

لمَ العناء ؟

  وهنا تفطنت إلى حقيقة أننا من نحرم أعيننا من رؤية الجمال في الأشياء، نحن من نحجب جمال كل شيء عنّا ونظل غارقين في التفاصيل الموحشة .. بمحض إرادتنا، نحن من نختار ارتداء العدسة الأحادية التي لا تمر من خلالها غير المساوئ، ثم نشتكي ونسرف في الشكوى عن مدى سوء هذه الحياة، ومدى قبح الكائنات، وكيف أن الدنيا مكان لا يحتمل ! ولكنه يبقى خياراً، متاحٌ على الدوام .. أن نختار رؤية الجمال في كل شيء، أن نختار رؤية الصورة الملونة عوضاً عن تلك النسخة الرمادية الباهتة، أن نختار رؤية الغيوم تتزين في السماء، واحدة تشبه قطة تلعب، وأخرى كأنها غزل البنات، والثالثة .. تشبهني عندما أضيع في القراءة !  كم ستبدو الحياة ألطف، أسهل وأطرف أيضاً ! سنضحك من تلك القطة التي تلاحقنا من أجل قطعة شطيرة كانت بيدنا، سنسخر من كوب القهوة السابع الذي أرقناه على ثيابنا بكل حماقة، سنتهافت على التقاط صور لكل الأشياء من حولنا ثم سنمحوها جميعها لأنها لم ترُق لنا . فلِمَ العناء ؟