مشهد : الهروب من الذكريات .
فتح خزانته لأول مرة بعد غياب دام لأشهر طوال ، فتدفقت في رأسه ينابيع من الذكريات التي استيقظت من غيبوبة الوحدة ، تغيرت أمور شتى بداخله و لكن تلك المشاعر التي تنطلق مع كل غرض في تلك الخزانة قد بقيت على حالها . الخزانة التي احتفظت بهيئتها الدائمة حتى بعد فراق مكث طويلاً ، ها هي تحيي مواطن في قلبه من جديد .. وقعت عينيه أولاً على ذلك الصندوق الصغير الذي خبأ بداخله ما تبقى من طفولته ، صور و لوحات مزينة بألوان البراءة ، هذا الصندوق الذي كان رفيقه في جميع لحظات إستراحاته الصغرى . صرف نظره ليرى ذلك القميص الذي يعلو قائمة قمصانه و الذي جاءه كهدية من والدته في ميلاده السابع عشر .. ما زال يحتفظ به ! و زجاجة القهوة المستقرة في الرف العلوي أخذها ليشتم رائحة عشيقاته الخمسة و السبعون بعد المائة ، كما أحصاها بكل حب في آخر مرة كان فيها هنا ، حبيبات بُنٍّ تفوح بأرقى نفحات العتاقة التي ترتخي معها كل الحواس . ثم ماذا ؟ تراجع خطوة للوراء و بدأ يتساءل .. كيف لغياب استمر لشهور تقترب من مرتبة عام كامل أن يمحو أهم فصول حياتي و شخوصها ، و يذكرني بكل ما يخص محتويات صندوق خشبي بطول رجُل ؟ و جاءه ...